أمشي منكفئًا عمّن حولي، لوني مائل إلى الاصفرار بعد ما حلّ بي من هلعٍ، أغذّ في السير عامدًا وصولاً سريعًا إلى البيت، إلى غرفتي، مأواي وملجأي وأسراري الليلية، لكنّ الطريق يطول، كأنه يركض أمامي. أدقّ الوصف لحالتي هو أنني أهربُ من أي كائن بشريّ، يا إلهي، هناك أحدٌ ما قادمٌ نحوي، أبحث بعينيّ عن مكان للاختباء، ولا أجد. إنه يقترب أكثر فأكثر، وأنا بدوري، أركض متجاوزًا بسرعة لكيلا أسمح لأي التقاءٍ بيننا أن يحصل. لماذا؟ إليكم ما حدث منذ ساعتين حتى الآن..
كنتُ مغادرًا عملي، وإذ بطفلٍ بهيّ أسود العينين يبتسم لي من على كتف أمّه، والتي كانت تتحدث مع بائع الخضار، انتهزت الفرصة لألاعبه قليلاً، اصطنعت حركات بوجهي ليضحك، ونجحت، صحيح أنني بدوت كأبله، لكن روح الطفل المرحة تضفي سرورًا في القلب، ما شجّعني على الاقتراب منه ومداعبة شعره، ثم بدأت كوابيس اليوم بعدها، ما إن أبعدت يدي عن رأسه حتى وجدت فيها خصلةً من شعره ملتصقةً بها! ارتبكت قليلاً، لا والله كثيرًا، فالطفل بدأ بالنشيج، هذه المرحلة ما قبل البكاء أو الانفجار، نظرت إلى رأسه وهممت بالصراخ إلا أنني تمالكت نفسي ثم هربت بأسرع ما يمكنني قبل أن تكتشف أمه أنني المسؤول عن ذلك الفراغ المخيف في شعره، ابتعدت عن المكان وما زلت أشعر أن الفراغ يكبر ويكبر ويحيط بي، وبعد أن تأكدت من اختفائي عنهما وقفت لأستعيد أنفاسي، ثم حاولت أن أنتزع شعر الطفل من رأسي، إلا أنه كان ملتصقًا أشد الالتصاق، علمت وقتها أنني سأجد صعوبة كبرى في حل هذه المشكلة، سأحاول تخبئته عن مرأى الناس، لحسن حظي أن لون الشعر شبيه بلون إياي.

اللوحة للفنان ياسر صافي