اختتمت الدورة التاسعة من مهرجان كرامة لأفلام حقوق الإنسان، في العاصمة الأردنيّة عمّان الشهر الماضي (كانون الأوّل/ديسمبر) بمشاركة 74 فيلمًا عربيًا وأجنبيًا عُرضت على مدار ستة أيّامٍ، فيما شهد اليوم الأخير توزيع الجوائز على الأفلام الفائزة بـ«ريشة كرامة» في ستة حقول.

يُعدّ مهرجان كرامة الذي تأسَّس سنة 2009 وانطلقت دورته الأولى سنة 2010 أوّل مهرجان عربيّ يعرض أفلام حقوق الإنسان في المنطقة العربيّة. في 2015 انبثقت عن المهرجان مجموعة «أنهار»؛ الشبكة العربيّة لأفلام حقوق الإنسان، التي أقامت إضافة إلى المهرجان الرئيسي في عمّان مهرجان كرامة في: بيروت، غزة، موريتانيا، ولم ينجح في اليمن هذه السنة بسبب الوضع الأمنيّ.

حملت الدورة التاسعة من المهرجان شعار: «أنت لست وحدك»، مسلطًة الضوء ومحتفيةً بالمرأة؛ إذ تناولت العديد من الأفلام وضع المرأة العربيّة، كالفيلم التونسيّ «الجايدة» والأجنبيّة مثل الفيلم السويسريّ «الأمر المقدس».

لم تقتصر الأفلام على حقوق المرأة؛ إذ شهدت أيّام المهرجان عروض أفلامٍ تتناول مواضيع كثيرة بينها الإرهاب، والوضع العربيّ بعد الربيع العربيّ مثل الفيلم البلجيكي «ضاع في المنتصف» والفيلم السوريّ «عن الآباء والأبناء».

بمشاركة 74 فيلمًا عربيًا وأجنبيًا عُرضت على مدار ستة أيّامٍ

تقول مديرية العلاقات العامّة في المهرجان شيمة التل لفنّ:

«في 2009 رأينا أنَّ الساحة العربيّة تحتاج إلى مهرجان سينمائيّ يتناول حقوق الإنسان، لكن ليس بشكلٍ سياسيٍّ، إنما بشكل فنيّ، اكتشفنا، نحن العاملين في المجال السمعيّ والبصريّ، ضرورة وجود هذا النوع من المهرجانات، وأن يكون مشغولًا بشكلٍ محترفٍ ومتخصّص».

على مدى ستّة أيَّام عُرضت أفلام تحريكية، وتسجيليّة، ووثائقيّة وروائيّة؛ قصيرةٌ وطويلة، وضمَّ برنامج المهرجان معرض رسومات «ضمير الفنّ» لرند عبد النور، وجنى شرف، ورند سعيد، وسارة نحّاس. ومؤتمر “تاء مربوطة: من المرأة إلى المرأة”، وعرض مسرحيّة «سمّها ما شئت» ومحاضرات عن الرسوم المُتحرّكة لطلّاب الكلية الاستراليّة للإعلام وجامعة البترا.

يعتبر مهرجان كرامة أوّل مهرجان عربيّ يعرض أفلام حقوق الإنسان في المنطقة العربيّة.

تقول مديرية المهرجان سوسن دروزة لفنّ:

«نحن مجموعة من العاملين ننتمي لمجموعة اسمها المعمل 612 للأفكار قرّرنا أن ما نستطيع عمله هو الأفلام وبعض الفنون الأخرى مثل المسرح، ورأينا أن نحقّق هدفنا الرئيسيّ؛ أيّ إنسان بعيش كريم، ومن هنا جاء اسم كرامة».

تُلخص دروزة طريقة العمل: «من أهدافنا نقل المعرفة سواء أكانت تجريدية نوعيّة أو معلومة، اخترنا العمل على موضوع الحقوق، ونبرمج مجموعة الأفلام بطريقة تقديمها، لا يوجد فيلم حقوقي، إنما توجيه الجمهور، وطريقة عرض الفيلم، هي من تحدد فيما إذا كان فيلمًا حقوقيًّا، معظم الأفلام العربيّة المستقلة حقوقيّة تناقش حقوق العربيّ؛ الطفل، احتياجات خاصّة، ونحن وجدنا أنَّ الطريقة الترفيهية التوعويّة أذكى من الحملات المباشرة للمطالبة بالحقوق، رغم وجود حملات في المهرجان. كلّ دورة يكون لنا موضوع حقوقي، نُسلطّ الضوء عليه».

أبرز العروض

تفاوتت جودة الأفلام المعروضة، كما تفاوتت طريقة المعالجة في الشكل، بين أفلام قصيرة، وتحريكيّة، وتسجيليّة، ووثائقيّة، وروائيّة؛ قصيرةٍ وطويلة. برزت من بين هذه الأفلام، الفيلم الذي أُفتتح فيه المهرجان في اليوم الأوّل الأربعاء 5 ديسمبر «الجايدة» للمخرجة التونسيّة سلّمى بكّار.

تسرد قصّة الفيلم، حياة فئة من نساء تونس، فترة الخميسنيات، المُصنفات وفقًا لتقدير سُلطة القضاة الشرعيين كنساءٍ مخالفات لأمر أزواجهنّ أو آبائهنّ. ووفقًا لهذا التصنيف الذي يعتمده القُضاة رجوعًا لمذاهب الأئمة الأربعة، توضع النساء في بيتٍ سجنٍ يُسمى «بيت جواد» تقوم على إدارتهِ امرأة تسمى «الجايدة» وتكون وظيفتها كسر النسوة نفسيًا أو إخضائعن للخدمة في البيت بسبب مخالفتهن العادات والتقاليد في تونس الخمسينيات.

قدّم الفيلم بشكلٍ موازٍ قصص أربع نساء من طبقات وأعمار مختلفة، وأسباب مختلفة دخلن بسببها هذا السجن. توازيًا كان الفيلم يعرض الحياة اليوميّة لمسيرة الاحتجاجات على الاستعمار الفرنسيّ لتونس ونضال شعبها للتحررّ.

يُعدُّ الفيلم «درسًا عميقًا في الفيلم التسجيليّ»

في اليوم الأخير عرض فيلم تسجيلي للمخرج السوريّ طلال ديركي، كما يقول المدير الفني للمهرجان قبل بدء العرض: يُعدُّ الفيلم «درسًا عميقًا في الفيلم التسجيليّ» إذ رافق المخرج على مدى شهورٍ وربما سنوات أحد أمراء تنظيم جبهة النصرة المسيطر على الشمال السوري في إدلب، ووثقّ الحياة اليوميّة لهذا المحارب، وطريقة تفكيره، وحياته اليوميّة، وتعامله مع محيطه من زواجته وأطفاله وجيرانهِ والمقاتلين تحت إمرته.

صاغ الفيلم، في تسلسلٍ، مراحل انتقال الأفكار من الآباء المنخرطين في السلفية الجهاديّة إلى أبنائهم توريثًا وقسرًا، دون أن يكون لهؤلاء الأطفال حريّة الاختيار، إذ يرث الأطفال يوم ولادتهم أسماء آباء تنظيم القاعدة (أيمن، أسامة، خطّاب). ثم وراثتهم العنف المُمارس عليهم من قبل الآباء، وانخراطهم في ألعاب غريبةٍ عن الأطفال استوحوها من حكايات الآباء مثل تصنيع القنابل البدائيّة من مواد أوليّة.

ينتهي المطاف بهذا الأمير، الذي رافقه المصوّر لشهور يُسجل حياته اليوميّة مُتخفيًّا تحت عمل مصوّر حربيّ، مُتقاعدًا في السرير، بعدما أصيب بلغمٍ بُترت على إثره قدمه. هنا تتجلى عملية انتقال الأفكار من الآباء إلى الأبناء إذ تصبح الأفكار أعمالًا، فيقرر الأب بعث أطفاله الثلاثة الذين تتراوح أعمارهم بين العاشرة والخامسة عشر تقريبًا إلى معسكر تدريب لجبهة النصرة، يواصل الفيلم تتبع مصير الأطفال ويُرافقهم في معسكر التدريب، يعود واحدٌ منهم للبيت لعدم ملائمة ليقاته للتدريب، ويبقى الآخران في التدريب ومن ثم الالتحاق بالقتال على الجبهة. هكذا يختم الفيلم حكايته عن المفارقة التي جعلت الأبناء يلتحقون دون رغبتهم منذ البداية بهذا القتال، وعدم رغبتهم كذلك في ترك هذا القتال والنهج. إذ يدرس الولد العائد في مدرسةٍ ويتلقى تعليمه مثل باقي الأطفال.

ختامًا تقول دروزة:

«نحاول هذه الأيام إقامة مهرجان كرامة اليمن، هناك محاولات بعدما أوقفوا المهرجان هناك، من خططنا القادمة نحن نفكّر أن يكون لنا نفاذة وشراكة على المهرجانات الأوروربيّة، لدى المشاهد الأوروبيّ تساولات لقضايا قد تكون بالنسبة لنا بديهية، إلّا أنها ليست كذلك بالنسبة له (مثل القضيّة الفلسطينية)».