ضمن مشروع “مدن الوصول” في “مختبر الفن – برلين“، وكجزء من معرض المشروع الأوّل بعنوان ” ما بين – إعادة التفكير بالهويّات العابرة للثقافات”، يُقام يوم الخميس 10 أيار/ مايو 2018 في الجاليري العرض الأدائي “أينما لا نكون” للفنانة اللبنانية لينا عيسى، وذلك عند السّاعة الثامنة مساءً.
تعيش وتعمل لينا في أمستردام. تخرجت من برنامج التصميم الجرافيكي في الجامعة الأمريكية في بيروت عام 2002، كانت قد غادرت لبنان بعد حصولها على منحة زمالة أبحاث في الدراسات العليا في الفنون الجميلة من أكاديمية جان فان إيك في ماستريخت ما بين الأعوام 2003 ولغاية 2005. ثم حصلت على درجة ماجستير في الفنون البصرية من معهد بيت زوارت في روتردام عام 2006. منذ ذلك الحين، تعمل بشكل فردي وبالتعاون مع آخرين، من خلال وسائط فنيّة متنوعة على استكشاف التوترات الحيّة بين الشخصي والعالمي. تدور أعمالها الفنية حول قضايا المكان، الآخر، التعاطف، الذاكرة الجسدية، الأداء الثقافي للهويّة. من خلال استخدامها لأفكار حول النزوح الجسدي، تضع لينا نفسها في مواقف تخلق منها الظروف اللازمة للكشف عن علاقات ولقاءات جديدة، وكذلك حكايات حقيقيّة ومتخيلّة.
فنّ: انشغالك من خلال أعمالك الفنيّة في مواضيع المكان، الذاكرة والهويّة، هل كان حاضرًا في بيروت أم بدأ مع انتقالك إلى هولندا؟
لينا: خرجت من لبنان لأدرس الماجستير، كان ذلك مع بداية عملي الفني. في لبنان بدأ اهتمامي بعلاقة الجسد مع المكان، التفاعل مع المحيط وهويته وبنفس الوقت، هوية الجسد الذي أتحرك به. انتقل هذا الاهتمام معي إلى هولندا، إلى مكان جديد، الجسم والهويّة مضطران فيه للتفاعل معه ومع تفاصيله ونوع حركته الجديدة، وذلك من خلال إعادة التعريف لمخزون الجسد والهويّة الذي أحمله معي. وفي الوقت نفسه، كان الانتقال فرصة لألتقي بأماكن جديدة وتاريخ جديد وواقع مختلف وهويات متعددة، كي أستطيع أن أوسع حدود الجسد والذاكرة التي أحملها معي. أحيانًا، تضم هذه الحركة/ الرقصة انسجامًا وأحيانًا لا، أحيانًا فيها أوجاع وأحيانًا هي فرصة لإعادة خلق الذات و/أو التحرر، فهي خليط وليست ذات اتجاه واحد. هذه المواضيع التي ظهرت مع اللقاء بالآخر، أصبحت حاجة وضرورة. لم تأتِ المواضيع من منطلق كوني فنانة أعمل على موضوع الذاكرة، إنما هي حاجة مستمرة وحاضرة حتى الآن، بعد 15 سنة من كوني مهاجرة، فأنا دائمًا بحاجة للفهم، ومع كل لقاء ضمن إطار مختلف، أفهم أكثر.
فنّ: من خلال عملك الفني، تستخدمين وسائط متنوعة، ما بين عروض أدائية، فيديو، تصوير فوتوغرافي ونصوص. كيف تختارين الوسيط الذي سيقدّم العمل الفنّي؟
لينا: الفكرة هي التي تختار الشكل/ الوسيط. الشعور الذي أريد نقله، التجربة التي أرغب بخلقها واختبارها مع الآخرين، والتي أريد أن أعيشها في طور صناعتها ومشاركتها مع الجمهور، كل هذه العوامل تحدد الوسيط، وفي كثير من الأحيان، الوسيط الذي أختاره لا أتقنه، لا أتقن التصوير مثلاً، لكن عدم الإتقان هو دائمًا فرصة للعمل والتعاون مع آخرين.
فنّ: إن مشروع “مدن الوصول” ممتد من المصطلح الذي صيغ من قبل الصّحافيّ والكاتب دوغ سوندرز في كتابه “مدن الوصول” (2011)، حيث وصف المدن والأحياء التي تشكّلت من خلال الهجرة وقصص سكانها. على الرّغم من أنّه لا ينكر تحديات ذلك، إلّا أن استنتاجاته كانت إيجابيّة بشكل عام، حيث سلط الضّوء على الحيوية التي جلبها الوافدون الجدد معهم إلى منازلهم الجديدة. هل تشعرين أن حضور حركة/ هجرة الفنانين إلى مكان آخر/ جديد يغيّر المكان؟
لينا: لا أعرف كم يؤثر الفن بالمدينة أو المكان جديد، أشكّ بالأمر. شكّي هذا غير نابع من أني لا أثق بقدرة الفنّ على التأثير، بالنسبة إلي، الأهم هو كيف يشكّل الفن فرصة للفنان، في تفاصيل حياته، منها الصعبة وتلك المليئة بالتحدي أو حتى المستقرة منها، بأن يتحاور مع محيطه، الفن هو وسيلة للتحاور مع المكان ومحفز لطرح أسئلة على النفس وعلى المكان لخلق فرصة تواصل معه كي تفهميه. للفن إمكانية أن يقدّم وجهات نظر وأساليب مختلفة للنظر إلى أنفسنا وللآخر وللمحيط. بعد 15 عامًا في أمستردام، أشعر من خلال عملي بأن الكثير من الناس تتأثر وتنظر إلى مواقف ما بشكل مختلف، أو يطرحون أسئلة جديدة. الفن لا يعطي إجابات، إنما يعطي فرصة لطرح أسئلة على الإجابات التي نملكها. بعد 15 عامًا، أمشي في المدينة وفي أحيان كثيرة لا أشعر بوجودي فيها بعد، هي غير متأثرة بأني هنا، حين أمر في شارع ما لا أشعر أن لي علامة فيه، مقارنة في بيروت، التي ما زلت أشعر بنفسي في الشوارع، المدينة ترمي نفسها على العلن، تتعرى، لا تخاف إظهار نفسها وبشاعتها، حتى تلك التي لا نريدها مثل الفقر والعنف، لكن كل شيء حاضر فيها، أما هنا، تخبئ المدن نفسها، وما يحدث بداخلها لا نراه. لا أعلم كم يغيّر الفن المدينة، أشعر أن كلمة تغيير معقدة قليلاً، لكن بالتأكيد الفن هو فسحة لأن نبحث عن السؤال بدلًا من البحث عن إجابة، ويخلق فرصة للآخر أن يقترب منّا.
“أينما لا نكون”، من عرض أدائي إلى رواية
في وصف العرض الأدائي “أينما لا نكون”، والذي سيُقام اليوم الخميس في “مختبر الفن – برلين”، كُتب: “كطالبة من لبنان، حُرمت لينا من تصريح إقامة في هولندا لأسباب بيروقراطية بحتة، ولأنها قد طعنت في هذا القرار، لم تتمكن من مغادرة هولندا، كي لا تمنع من الدخول إليها من جديد. عدم تمكنها من السفر إلى البيت، جعلها تُرسل شخصًا بديلاً، وهي إيتانا كورديرو، مصممة رقص إسبانيّة، إلى لبنان لمدة 10 أيام كمبعوثة عنها وموثّقة للمكان ورحلتها. زارت إيتانا أشخاصًا مختلفين، منهم عائلة وأصدقاء لينا، والأماكن التي تشكّل جزءًا من ذاكرة لينا وتفاصيل تشكّل فكرة “البيت” بالنسبة إليها. أدّت إيتانا الكثير من المهامّ التي أعطتها لينا عبر دفتر مكتوب بخطّ اليد، وقامت هي بدورها بكتابة انطباعاتها وتجاربها على دفتر آخر. كلا الدفترين لعبا دورًا مركزيًا في العرض الأدائي. “إينما لا نكون”، هو ليس عرضًا عن كل مكان، إنما عن تلك الأماكن التي نحملها معنا في أجسادنا. الأماكن التي تشكّل جزءًا منا، والتي صنعت منا ما نحن عليه”.
وفي حديثها عنه، تضيف لينا عيسى:
“قبل أن تسافر إيتانا كورديرو إلى لبنان، منحتها دفترًا مكتوبًا بخطّ يدي فيه 150 صفحة كتعليمات لعشرة أيام مدة زيارتها؛ بمن ستلتقي، وصف للمكان، سرد ذكريات وأوقات لتعليمات كيف تتحرك بالمكان، ماذا عليها أن تلمس وتتذوق، سرعة المشي، إلى ماذا عليها أن تنظر. كلها تعليمات للجسد، تتمحوّر حول فكرة كيف يمكن أن يأخذ مكان جسدًا آخر، ومن خلال ذلك اختبار المكان والناس، فالمشروع هو عن الذاكرة الحسيّة والجسديّة للأماكن”.
الدفتر الذي احتوى على تعليمات، كان إلى جانبه دفتر فارغ، منحته لينا لإيتانا كي تكتب ملاحظاتها وتجربتها ومذكراتها عليه، لكنها كتبت كل شيء باللغة الإسبانيّة، والتي لا تعرفها لينا. عن هذا تقول: “وكأني للمرة الثانيّة، لم أستطع الذهاب إلى المكان. العرض هو عرض قراءة لدفتري ودفترها، وتفكيك هذه القراءة مع الجمهور”.
جدير بالذكر، أن لينا عيسى تعمل على تحويل هذا العرض وهذه التجربة “أينما لا نكون” إلى روايّة.

صحافية وكاتبة فلسطينية