افتتح منذ أيام، في بار وجاليري فتوش، معرض الفنان الفلسطيني عيسى ديبي بعنوان “المنفى عمل شاق”. ويحتفى بالمعرض لأنّه يأتي بعد غياب ديبي عن مدينته 25 عامًا، ويعرض اليوم في أول جاليري عربي فلسطيني للفن التشكيليّ في حيفا، بعد جولة استضافته خلالها معارض العالم.
يتكوّن “المنفى عمل شاق” من عملين أساسيّين: الوطن الأم والمحاكمة.
افتتحنا معرض "المنفى عمل شاقّ" للفنان عيسى ديبي في جاليري فتوش!بعد غياب 25 سنة عن مدينته، برجع الفنان بهاد المعرض الفرديّ المتجوّلالمعرض مستمرّ حتى 31.3.2019 ومفتوح يوميًّا من الساعة 10:00 حتى 22:00***We opened "Exile Is Hard Work" exhibition by Aissa Deebi at Fattoush gallery!25 years have passed since Deebi's left his city Haifa, now he's coming back with this solo touring exhibition.The exhibition will be hosted untill 31.3.2019open daily: 10:00- 22:00***vid: Nat Nieves Iszakovits
Posted by Fattoush Bar & Gallery بار وجاليري فتوش on Monday, February 4, 2019
جزئيات أو في محاولة “تصوير” الوطن/المنفى
في عمله بعنوان “أمي” يلجأ الفنان البريطاني ديفيد هوكني إلى بناء صورة أو لوحة من مجموعة من الصور التي كأنها مقتطعة من “الصورة الأم”. يأتي هذا الأسلوب في محاولة توظيف للصورة الفوتوغرافية كأداة في إنتاج العمل البصري النابع من مأخذه على التقصير الضمني للصورة الفوتوغرافية، كما هي في إعادة إنتاج البعد البصري بما يحمله من مضامين زمنية. فيتشكل العمل النهائي – “صورة أمي” – من مجموعة من الصورة لوجه المرأة من عدة زوايا تتباين فيها حدة وألوان ملامح المرأة، درزت في لوحة واحدة بوساطة حدود الصورة الجزئية، والتي أطلق عليها هوكني اسم “مجمعات”.

ديفيد هوكني 1986
يأتي عمل ديبي في سلسلة ملصقات تتبع نهجا مشابها في عمله (الوطن الأم)، حيث يستعرض العمل سلسلة من الملصقات يتكون كل منها من صورة واحدة (مبكسلة) ومجزأة التقطت بكاميرا مصممة من تسعة كاميرات من هاتف نوكيا كانت تملكه والدته في حينها، مصحوبة بجزئيات نصية من رسالة كان ديبي قد بدأ بكتابتها لوالدته في عام 1987 في حيفا. والعمل مثل عنوانه يحاول الفنان عيسى ديبي من خلاله استحضار صورة الوطن أو الأم في الإطار المكاني الذي صنع فيه -المنفى، ويستحضر معه نوعًا من الاضطراب النابع من استحالة الاستحضار، التي تتجلى بانعدام القدرة على استيعاب الصورة الكاملة من الدرجة المخففة التي التقطت فيها الصورة الأصلية أو محاولة استيعاب النصوص، التي تتخذ صورة اللغة الفصحى مع فحوى أقرب إلى المحكية، أو حتى في توظيف “المجمعات” كما سمّاها هوكني وإن كانت أقل اندفاعًا من هوكني في منطق “الإلصاق”. وكأنّ الشاعرية التي رغب بها العمل قطعت. وتقطع على مستوى آخر في لحظة إنتاج العمل الذي صمم أصلاً ليتخذ شكل عمل فيديو لبينالي جنق قلعة عام 2016، الذي ألغي بسبب الضغوطات السياسية، ثم أنتج فصل واحد منه في برلين بالشكل الذي يعرض فيه اليوم.
المحاكمة
العمل الرئيس الثاني، الذي يختتم فيه المعرض، هو عمل فيديو باسم المحاكمة، يعلن في كادر منشق إلى قسمين بدء المحاكمة، ثم شخصية بشقين تحاول ترديد خطاب ما، كثيرًا ما تقاطعها “السلطات” في العمل المتمثلة بالضابط/الفنان، وجنوده/الشرطة. يعيد الفيديو تشكيل خطاب الشاعر الفلسطيني الشيوعي، داود تركي، الذي نشره في صحيفة الفجر عام 1973 عقب محاكمته في المحكمة الإسرائيلية بتهمة التجسس والتعاون مع العدو.
في الكادر، المحاكمة مستمرة الحدوث، وإن سميت بالمحاكمة تيمنا بمحاكمة كافكا، فإن شخصية/شخصيات تركي على خلاف جوزيف ك. متجاوبة ومعترفة بوجود محاكمتها، بل تتعامل معها- تخطب بها، فيردد كل من شقّي الشخصية خطابهما، أو تحاول رغم المقاطعات العديدة التي تعترضها. ولكن عامل (التعقيد) وإن كان أقل كافكائية، يأتي في تمثيل الخطاب نفسه، حيث يستعرض الشق الأقرب من الكادر، الشق “الرافض” أو المواجه من الشخصية، والآخر الشق الأكثر محاورة. الخطاب هو نفسه، يتضح من خلال استمرار المحاكمة واستكمال الشخصيات للخطاب، ولكن بنبرتين، اتجاهين يفصحان عن تناقض داخلي في تركي نفسه أو الحزب الشيوعي آنذاك ككل. ويختم العمل باستقرار معين. الشقان يرددان خاتمتهما كاملة، بلباسيهما الثوريين: الثورية هي بلا شك من ملامح كليهما، ولكن هذا الاستقرار يأتي مع انطباعات أخرى يستحيل فيها تحقيق الثورة، الشرطة/السلطة على الأكتاف في النهاية، وليس في النهاية فقط حيث يعمل الفصل -وجود “المجمعات” إلى تأسيس حالة الاستحالة مرة أخرى.
يأتي صنع وتصوير هذا العمل أيضا في أعقاب الثورة التي اندلعت في مصر عام 2011، حيث كان ديبي في القاهرة، وقد ينبع من شعور بتعقيد معين في إمكانيات وحسابات الثورة في العصر الحالي، دفع ديبي إلى البحث في تاريخ كان له إمكانيات ثورية أكبر. أنتج هذا العمل لبينالي البندقية عام 2013 لمعرض “خلاف ذلك محتلة” وعرض في عدة دول حول العالم.
عرض هذه الأعمال في مدينتي حيفا يغلق الدائرة – عيسى ديبي
في ظل الاستحالة التي يصورها كل من العملين، يأتي سؤال تصوير ما يمكن تصويره لأجل سياق “عالمي” تطرح فيه الفلسطينية كمفاهيم عن المنفى والثورة من تجربة فردية تحمل ذاكرة جمعية أكبر، أسئلة عن فاعلية إعادة التمثيل المبنية لوسط عالمي في سياقها المحلي، وهل أن إغلاق الدائرة يعني انتهاء صلاحية أو بالأحرى الإزالة بأثر رجعي للأعمال بمجرد إعادتها لجغرافية صدرت الأعمال من جوهر انسحابها من المشهد اليومي للفنان الفلسطيني، أم أن عودتها للجغرافية بقيمها المرجعية السياسية القائمة هو مسارها الطبيعي كفراغ يستقبل الفن الفلسطيني كمفاهيم مصممة لمحاورة سياق عالمي بالأساس، وإن غير مجدية لسياقها الأصغر الذي جاءت منه لأجله افتراضا.
يستمر المعرض في بار وجاليري فتوش حتى نهاية شهر آذار.
مخرجة وناقدة فنيّة فلسطينية