يقيم الفنان السوري منير الشعراني معرضه الخاص الأول في برلين في آذار 2018، ويضم المعرض الذي سيستمر لثلاثة شهور في BOX Freiraum بالتعاون مع متحف الفن الإسلامي حوالي 50 لوحة، كما يتضمن ندوة مفتوحة وحديثًا عن الخط العربي وعن تجربة الشعراني، وتنظم بالتوازي معه في الشهر الأول من المعرض عدة ورشات مع محترفي تصميم الحروف وغيرهم من المهتمين بهذا الفن، تقام في بوكس غاليري بالاشتراك مع مصمم حرف طباعي عربي/لاتيني، وهو هولندي مقيم في ألمانيا اسمه لوكاس دي غروت.

عن المعرض، يقول الشعراني: “هذا أول معرض فردي لي في ألمانيا، فقد شاركت في معارض مشتركة سابقًا في دول مختلفة منها ألمانيا، وكونه كذلك، ستكون فيه استعادة للقديم بالإضافة إلى الجديد. وهو يضم أعمالاً سبق عرضها في أماكن أخرى”.

حاورت مجلّة “فن” الفنّان منير الشعراني وارتأت نشر الحوار على هيئة مونولوج على لسان ضيفنا:

بدأت حياتي الفنية مسيسًا، بعدسة حليم الشعراني، مجلة فن

من يتابع عملي منذ بداياته وحتى اليوم؛ يرى أن همي هو هو، فلقد خرجت من سورية مكرهًا وملاحقًا عام 1979، لذلك فهناك عبارات كثيرة لها علاقة بالحرية والإنسان وقضاياه، وبدفع الإنسان للتفكير، معظمها تتفق مع فكري العام وليست عبارات مكررة من التي يخطّها الخطاطون عادة، باستثناء تلك التي كانت ردًا على نقطة يثيرها الخطاطون دومًا، وهي أن بعض العبارات استُنفدت لكثرة التصاميم التي تعاملت معها ولم يعد ممكنًا إضافة جديد إليها، كالبسملة التي قدمتها في 11 تصميمًا مختلفًا.

منذ بداية مشروعي؛ تجسّد همي في مسألتين: الأولى هي أن الخط العربي ليس مرتبطًا بالدين، وهو نتاج حضارة لا نتاج دين، والدين استفاد منه وليس العكس، فالتطورات الأولى لم تكن نتيجة علاقة الخط بالدين بل علاقته بالدولة الجديدة، وقد جاء التطوير الأول للخط العربي في العصر الأموي مترافقًا مع تعريب الدواوين، وبرزت الحاجة لكتابة كا ما يتعلق بدواوين الدولة المختلفة، ومع حركة الترجمة كانت هناك حاجة للتدوين بطريقة مختلفة عن السابق، ولبى الخطّ هذه الحاجة عبرتطوير أساليبه، ومع تقدم العمارة والفنون وكل النواحي المرتبطة بالحضارة الصاعدة صار الخط موجودًا في كل تلك التفاصيل، وأصبح قاسما مشتركًا للفنون التي تسمى تجاوزًا ـ في رأيي ـ”عربيّة إسلامية”.

أما المسألة الثانية، فهي أن الخط فنٌ و لذلك ليس له صيغة نهائية أو ذروة كما يقولون، ومن هنا اشتغلت على نفي صفة القدسية التي ألصقت به، أو لنقل قفص القدسية الذي وضع فيه منذ العصر العثماني، وكان نفيي لهذه الصفة  معتمدًا على الوقائع التاريخية  و على الآثار الخطيّة، وعمليًا من خلال إنتاجي نفسه في هذا الفن القائم بذاته والذي يتبوأ مكانة خاصة بين الفنون الجميلة.

العبارة التي أختارها يجب أن تكون متفقة مع فكري. لا ألعب في أشكال الحروف، بل آخذ العبارة التي تعجبني وأشتغل عليها، وأستفيد من طواعية الخط العربي في التشكيل ومقدرته على ذلك. أستفيد من الطاقة التعبيرية الموجودة بالخط العربي بأنواعه المختلفة، كالقاسي واللين والمرن، حسب الموضوع الذي أتناوله.

لدي عبارات كثيرة أحبها، فأنا طوال عمري قارئ نهم للشعر والأدب وقارئ عام، وكل كتاب أقراه أختار منه  أشياء تعجبني فيه. بعض هذه الكتب قد لا يخطر على بال أحد أن من الممكن استخلاص عبارة منها، وأنا أستخلص منها عبارات مفيدة تتفق مع السياق الفكري الذي أشتغل على هديه. أحيانًا أسمع بيت شعر لم أسمعه من قبل وأراه يتشكل أمامي كلوحة، وفي أحيان أخرى تتداعى لذهني عبارة أعرفها منذ زمن بصورة معينة، وأجد أنه لا بد من تشكيلها.

 الفن إذا لم تكن له علاقة بالمجتمع يصبح بذخًا دون مبرر

أستطيع القول إني منذ البداية شكلت لوحة من لوحاتي الأولى من عبارة لابن عربي “كل فن لا يفيد علمًا لا يعول عليه”، لأنني أرى أن الفن إذا لم تكن له علاقة بالمجتمع يصبح بذخًا وترفًا لا مبرر له، ولا أقتنع بجماليات منفصلة عن الإنسان و الحياة.

تبنّي قضايا الإنسان لا يعني أن أكون مباشرًا

لدى كل فنان أفكار تتعلق بمحيطه، ويشعر أنه جزء من مجموع وغير منفصل عنه، وهذا الشيء يعنيه. وبالتالي، خلف الموضوع قضية قد تكون مباشرة أو غير مباشرة، وأنا لا أحب أن أكون مباشرًا. تبنّي قضايا الإنسان لا يعني أن أكون مباشرًا، بل أطرح أحيانا أسئلة، وكثير من العبارات ليست عبارات تعليمية، بل هي دعوة للتفكير بما أطرحه، وبالتعامل مع ينطوي عليه من معنى من خلال الفن. المدخل بصري وهو اللوحة التي يجب أن تكون جميلة تشدّ المتلقي أولا، ليفكر فيما تعنيه وليرى ما خلف ذلك من الناحيتين البصرية والمعنوية أيضًا.

الخط بحد ذاته فن تجريدي

أرى أيضًا أن الخط العربي يساعد على الإجابة على السؤال المطروح حول علاقة الشكل والمحتوى في الفن، يجيب على إشكالية التجريد غير المفهوم، فالخط بحد ذاته فن تجريدي بصريًا، وهو يحمل معنى من خلال العبارة التي يعتمد عليها في تشكيله.

في المقابل، هناك أشياء في لحظتها كانت بالنسبة إلي ضرورية وشعرت بأني يجب أن أقولها وأشتغلها، تحديدًا في السنوات السبع الماضية، فقمت بعمل عددٍ من اللوحات ربما ما كانت لتكون بهذا الشكل في ظروف أخرى، كلوحة عن سورية مشكلة من أسماء الطوائف، مكتوب فيها سورية وكلمة “سورية” مشكلة من أسماء مكوناتها، بحيث لو حذفنا أي مكون منها سيختل شكلها البصري، كما ستختل سوريا في الواقع لو حذفنا أحد مكوناتها. هذا البعد ما كان بالضرورة يخطر في بالي أن أصيغه في لوحة لولا أن الموضوع أثير في السنوات الأخيرة، أو من بداية الثورة.

بدأت حياتي الفنية مسيسًا

بدأت حياتي الفنية مُسيّسًا ومتبنيًا لاتجاه فكري و لم تختلف قناعاتي بالأسس التي يقوم عليها هذا الفكر، بغض النظر عن التفاصيل، هذه الأسس التي تتمحور حول الإنسان والعدالة والحرية و مسائل الحق والخير والجمال التي تشكل الخلفية الفكرية لحياتي ولتجربتي وأعمالي الفنيّة في الوقت نفسه.

 كان اسمي المستعار “عماد حليم”

 

كان مشروع تخرجي مشروعًا سياسيًا، ولم يكن عاديًا من النوع الذي يقدمه الطلاب عادة. كان عبارة عن مجموعة ملصقات عن القمع والتسلط العسكري، ومنه بدأت حياتي الفنية بمعناها الحقيقي، بعد ذلك اشتغلت مصممًا لأغلفة الكتب والمطبوعات، وحتى في هذه كنت أرفض تصميم أغلفة بعض الكتب التي تتناقض مع عقلي، لأنني أرى أن العمل المهني لا ينبغي أن يتناقض مع فكرمن يمارسه. كنت أرى التعامل مع المهنة ممكن من خلال فهمك للأمور العامة والقضايا التي تؤمن بها، وبالتالي رفضت أن أعمل بالإعلان التجاري وأشياء من هذا النوع تقوم على الدعاية الكاذبة، تعاملت مع الكتاب بالتحديد، والملصق السياسي وتصميم شعارات معظمها لدور نشر وفعاليات ثقافية. صممت عددًا كبيرًا من أغلفة الكتب، بعضها باسمي المستعار “عماد حليم” بين عامي 1979 و1982، الذي اضطررت لاستخدامه في بيروت بعد مغادرتي لسوريا.

بالنسبة إلي، يجب أن أكون متسقًا مع نفسي عندما أعمل أي عمل، حتى عندما أجني منه معيشتي، فأنا أرى أن الإنسان يجب أن يكون قادرًا على تحقيق انسجام أكبر بين عمله وفكره ليكون ناجحًا و راضيًا عن ذاته وعطائه.